بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف يصبح الخوف قوة دافعة للانسان؟
الخشية هي الخوف بوجه عام.. وهي قد تكون قوة دافعة نافعة
لمن يخشي.. كمن يخشي الله فيتقيه, ويتجنب ما يغضبه.. أو الطالب الذي يخشي
الرسوب في الامتحان أو عدم الحصول علي درجات أو تقديرات عالية, فيجتهد ما
وسعه الجهد.. أو الذي يخشي المنافسة, فيطور انتاجه ويحسن صنعته.. أو الذي
يخشي علي اسمه وسمعته فيبتعد عن مواطن الشبهات.. فالخشية في مواطن
كثيرة تؤمن الانسان من المخاطر التي قد يتعرض لها أو العواقب السيئة التي
يمكن أن تحيق به, إن هو ارتكب أفعالا معينة يجرمها القانون أو العرف أو
تحرمها الأخلاق الفاضلة.. وبالتالي فهي ـ في حدودها الآمنة ـ صحية.. والحدود
الآمنة للخشية هي الحدود المعقولة والمبررة.. أما ان نغالي فيها وتمسي هاجسا
لا يفارقنا ولا ينصرف عنا, فقد تفسد علي الانسان حياته, إذ تفقده الاتزان
والقدرة علي التركيز.. وهذا شيء غير صحي وغير مطلوب.. والخشية في
حدودها القصوي تأتي بنتائج عكسية.. كالطالب الذي يتملكه الخوف من الامتحان,
فقد ينسيه هذا ما حفظه, أو يفهم السؤال علي نحو مخالف لمضمونه.. وبالنسبة
للامتحانات الشفوية فقد يعقد الخوف لسانه(!) ولا يعود يتذكر شيئا مما تعلمه..
وربما تفصد جبينه من العرق الغزير في زمهرير الشتاء.. وهذا غير مطلوب
بطبيعة الحال..
والخوف لو كان في أدني درجاته, فقد يجعل الانسان مستهترا لا يعمل حسابا
للعواقب.. فيضر نفسه ويضر غيره.. هذا من ناحية, ومن ناحية أخري, لا يبذل
جهدا يذكر في تحقيق آماله ورغباته وطموحاته.. وقد يقابل ذلك ببلادة أو ببلاهة
(!) وربما أيضا بغرور.. فهناك مواقف تتطلب الاستعداد لها.. ولكن هذا الشخص
لا يستعد, ويهييء له غروره انه ليس في حاجة للاستعداد مثل غيره..( هؤلاء
الأشخاص موجودون) فيفشل فشلا ذريعا مدويا.. ولا يحقق أيا من مآربه.. ولذلك
ـ فكما يقال ـ أن خير الأمور الوسط..
والله بحكمته العليا أوجد هذه الأحاسيس في النفس الانسانية كالخوف, لتؤدي
دورا مهما في حياة الانسان, ولتقيه شرور نفسه وشرور غيره.. تقيه شرور
نفسه الأمارة بالسوء.. فتعصمه من الخطأ ومن الزلل فيما يتصل بأموره
الحياتية.. والانسان في أرقي نوعية له, لا يأتي ما ينكره الشرع والقانون
والعرف, عن مبدأ وعقيدة.. يليه الانسان الذي يمتنع خشية افتضاح أمره.. وما
يترتب علي ذلك من اهدار لكرامته واعتباره امام الأهل والأصدقاء والمعارف
والزملاء.. كذلك خوفا علي مصير عائلته, ان هو دخل السجن وأمضي وراء
القضبان أعواما.. تاركا أهله بلا رعاية.. وربما بلا مورد مالي يعيشون منه..
وخوفا علي منصبه أو وظيفته التي سيفقدها حتما.. هذا الخوف يحميه ويعصمه
من الخطأ. الفتاة التي تصم أذنيها عن الكلام المعسول الذي تسمعه من شاب
عابث, مهما حاول أن يظهر بوجه آخر, ولا تستجيب لوعوده وعهوده.. التي ما
تلبث أن يظهر زيفها.. وأنها وسيلة الي غاية.. لأنه ان ادركها وظفر بها, كشف
القناع عن وجهه الحقيقي, أو لاذ بالفرار!! أقول: الفتاة العاقلة الناضجة التي
تخاف علي دينها وعلي سمعتها وشرفها وعلي مستقبلها أولا وآخرا, يحميها
الخوف من هذا المصير الموحش الكئيب, الذي يتهددها ان هي صدقت ما يقال لها
من هؤلاء الأشرار المخادعين. الشاب الذي يبتعد عن رفاق السوء, وينأي بنفسه
عن صحبتهم خوفا من العواقب.. ويلتزم الجادة, ويعمل جاهدا لكي يؤهل نفسه
لمستقبل واعد وحياة كريمة.. هذا الخوف يحميه من الانجرار وراء الشبان
الفارغين.. في طيشهم وعبثهم ومجونهم.. والذي يوصلهم الي مستنقع لا يمكنهم
الخروج منه.
والذي يخشي الله لا يهاب الناس ولا يخشي في الله لومة لائم فلا تخشوا الناس
واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا( المائدة44).
الخوف أو الخشية فضيلة محمودة لها منافع عديدة, بشرط أن يكون ذلك في
الاطار الصحي.. وألا يصل الي درجة الهستيريا التي تجعل الانسان نهبا للقلق,
كما تجعله أميل الي الاججام منه الي الإقدام في أمور حياته كلها.. كما تجعله أيضا
يتوجس مما يمكن أن يحدث له أو لأبنائه فيفرط في الحيطة التي تقيد حركتهم,
وتمنعهم من مباشرة حياتهم بشكل طبيعي.. هذا الخوف المغالي فيه غير مبرر
علي الاطلاق, لأنه لن يمنع قدرا مكتوبا قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو
مولانا وعلي الله فليتوكل المؤمنون( التوبة51).. فالتوكل علي الله, يحمينا من
القلق والهواجس بل يطردهما عنا.. لأن الأمر بيد الله من قبل ومن بعد.. فلأن
نأخذ حذرنا في الحدود المعقولة والمقبولة, فهذا سليم.. ولأن نحتاط بشكل عادي,
هذا أيضا سليم.. ولكن بعد ان نأخذ حذرنا ونحتاط, نسلم الأمر لله.. فالقلق
والهواجس من عمل الشيطان.. فلنستعذ بالله منه كلما وسوس إلينا بشيء يقلقنا
أو يثير هواجسنا وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم
( الاعراف200) ثم نتوكل علي الله فهو حسبنا إنه ليس له سلطان علي الذين
آمنوا وعلي ربهم يتوكلون( النحل99).
ودمتم بحفظ الله ورعايته