موضوع: يا بني متى أراك حافض للقرءان 3/8/2013, 16:09
يـا بنـي متى أراك حافظاً للقرآن؟
الحمدلله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، والصلاة والسلام على من بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
ولدي الحبيب! إذا كان لكل أمة تاريخ يحتفون به، ومجد يحافظون عليه، فإن لأمة الإسلام تاريخاً مجيداً، ومجداً تليداً، لا يرجع إلى تقادم الزمن ومرور الأيام، ولكن إلى سمو الهدف وشرف الغاية ونبل المقصد.
فأي هدف أسمى من ذلك الهدف؟ وأي غاية أشرف من إنقاذ البشرية وإخراجها من ظلمات الشرك والجهالة إلى نور التوحيد والعلم؟
إن القرآن الكريم هو مصدر عزة هذه الأمة وقوتها ونهضتها، فمتى هجرت الأمة هذا القرآن فأقامت حروفه، وضيعت حدوده، وتركت تحكيمه والتحاكم إليه والعمل به، فإن الضعف مآلها والهزيمة نصيبها والدائرة عليها.
واجبك تجاه القرآن
وأنت يا بني.. أمل الأمة في عودة أمجادها من جديد.. أنت الفجر القادم بتباشير العزة وأزاهير النصر والتمكين.. وإذا سألت من أين أبدأ؟
أجبتك: ابدأ بالقرآن.. فالقرآن هو سفينة النجاة من كل فتنة ومخرج الأمان من كل محنة، قال تعالى: { وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا } [الشورى: 52]
فالواجب عليك يا ولدي أن تؤمن بهذا الكتاب إيماناً كاملاً لا شك فيه، قال تعالى: {الم ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 1-2]
وأن تتلوه حق تلاوته كما قال تعالى: { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ } [العنكبوت: 45]
وأن تحفظه في صدرك ولا تضيع شيئاً من أحكامه، كما قال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } [ص: 29]
وأن تأتمر بأوامره وتنتهي عن نواهيه كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الحشر: 7]
وأن تعمل بمحكمه وتؤمن بمتشابهه كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } [آل عمران: 7]
احترام القرآن
ولدي الحبيب: أجمع المسلمون على وجوب احترام القرآن وتعظيمه وتنزيهه وصيانته قال النووي رحمه الله: "قال العلماء رحمهم الله: النصيحة لكتاب الله تعالى هي: الإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاعنين، والتصديق بما فيه والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه وأمثاله والاعتناء بمواعظه والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه والتسليم بمتشابهه والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرناه من نصيحته".
آداب تلاوة القرآن
ولدي الحبيب: كلام الله ليس كغيره من الكلام، ففضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وتعظيم القرآن من تعظيم منزله تعالى، قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء: 88]
ولذلك كان لتلاوة القرآن آداب ينبغي للقارئ التأدب بها ومن ذلك:
1-أن يقصد بقراءته وجه الله تعالى، وتعلم أحكام كتابه، وتنفيذ أمر ربه بتلاوة القرآن الكريم.
ويتعوذ في بداية القراءة، لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [النحل: 98]
7-ويحافظ على البسملة في بداية كل سورة ما عدا سورة التوبة.
8-ويحافظ على أحكام التلاوة أثناء قراءته مع تحسين صوته، لقوله تعالى: { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } [المزمل: 4] ولقوله صلى الله عليه وسلم: «زينوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً». رواه أبو داود وصححه الألباني.
9-أن يتجنب وضع المصحف على الأرض أو على رجليه من أسفل، ويتجنب العبث بصفحاته دون حاجة.
10-أن يتجنب كل ما يذل بالخشوع أثناء التلاوة أو السماع كالضحك والتثاؤب والعبث بالثياب أو الأعضاء وفرقعة الأصابع والكلام دون حاجة.
11-أن يمسك من القراءة إذا عرض له ريح حتى يتكامل خروجها، ثم يعود للقراءة وليتوضأ إذا أراد أن يمسك المصحف.
12-وإذا عرض له تثاؤب فليمسك من القراءة وليدفعه فإنه من الشيطان، فإذا انقضى عاد إلى القراءة.
13-أن يمسك من القراءة إذا غبه النعاس حتى لا تختلط عليه آيات القرآن ويفوت عليه التدبر الذي هو غاية القراءة.
14-أن يقرأ من المصحف ولو كان حافظاً لأن من قرأ من المصحف اجتمعت له عبادتان: عبادة التلاوة وعبادة النظر في كلام الله تعالى.
15-أن يعمل بكل ما يسمع من القرآن، فيأتمر بأوامره وينهتي عن نواهيه ويقف عند حدوده قال ابن عمر رضي الله عنهما: "لقد عشنا برهة من الدهر، وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها، وأوامرها وزواجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها، ولقد رأينا رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما آمره وما زاجره، وما ينبغي أن يقف عنده، ينثره الدقل"-أي رديء التمر.
القرآن.. فضائل وأجور
ولدي الحبيب: ولتلاوة القرآن الكريم وتعلمه وتعليمه وتدبره والعمل به وحفظه والعيش في رحابه فضائل كثيرة وأجور عظيمة منها:
1-اكتساب الحسنات: فعن ابن معسود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (آلم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف». رواه الترمذي وصححه الألباني.
2-رفع الدرجات في الجنة: فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها». وراه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران». متفق عليه.
3-الفوز بالشفاعة:
فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه». رواه مسلم.
وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذي كانوا يعملوه به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما». رواه مسلم.
4-الفوز بالخيرية: فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». رواه البخاري.
5-القرب من الله: فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله أهلين من الناس». فقيل: من أهل الله منهم؟ قال: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصته». رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
6-حصول السكينة والطمأنينة والرحمة: لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده». رواه مسلم.
7-الفوز برضا الله تعالى: فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول يا رب زده: فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه فيقال له: اقرأ وارتق وتزاد بكل آية حسنة». رواه الترمذي والحاكم وحسنه الألباني.
9-الأمان من الشياطين: فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة». رواه مسلم
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلته كفتاه». متفق عليه.
10-النجاة من شر المسيح الدجال: فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال». رواه مسلم.
11-الأمان من السحرة: فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرءوا البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة». أي السحرة. رواه مسلم.
12-استحقاق الإمامة في الدين والدنيا: فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله..». رواه مسلم.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين». رواه مسلم.
13-التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم: فمن قرأ القرآن وتدبره وعمل بما فيه فقد تأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم ولذلك لما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: «كان خلقه القرآن». رواه مسلم.
15-الأمان من النفاق: لأن الله تعالى وصف المنافقين بأنهم: { يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء: 142] أما حافظ القرآن المشتغل بتلاوته آناء الليل وآناء النهار، فهو من أكثر الناس ذكراً لله عز وجل.
فلا تحرم نفسك يا بني من تلك الأجور والجوائز التي من حرم منها فقد شقى في الدنيا والآخرة قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ } [طه: 124-126]
هذا هو الطريق:
ولدي الحبيب: ها قد اتضح الطريق أمامك، وما عليك إلا أن تشمر عن ساعد الجد وتسلكه.. وإياك أن تضل الطريق وتعوج عنه.. إنه طريق القرآن.. طريق الإيمان.. طريق الهدى والرشاد.. طريق الطاعة وترك العصيان.. قال تعالى: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [الأنعام: 153]
كن يا بني من حملة القرآن كن مع حفظة كتاب الله تعالى أسرع بتسجيل اسمك في إحدى الحلقات القرآنية اجعل لك ورداً يومياً من الحفظ والمراجعة فرغ وقتك للقرآن أشغل فراغك بالتلاوة والتدبر والحفظ والمراجعة كن كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس مفرطون وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا الناس يختالون وينبغي لحامل القرآن أن يكون هيناً ليناً ولا ينبغي له أن يكون جافياً ولا ممارياً ولا صياحاً ولا صخاباً.
جعلني الله وإياك من أهل القرآن وسلكني وإياك في نظمهم إنه ولي ذلك والقدر عليه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إعداد القسم العلمي بمدار الوطن
"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وسبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك